هل تنقلب المقاومة بعد 9 يناير القادم؟!!
لا تتردد سلطة الرئيس محمود عباس المتمثلة بشخصه وحكومة فياض التي شُكلت بعد الحسم العسكري لحماس في قطاع غزة في منتصف حزيران يونيو من العام الماضي – و التي كما وصف بعض قادة فتح أن رئيسها "فياض" يقود انقلاباً أبيضاً داخل حركة فتح وداخل السلطة الفلسطينية التي فصّلت على مقاسها ما دون كـ"فياض"- لا تتردد بوصف هذه الخطوة التي أقدمت عليها أجهزة الحكومة في غزة لإنهاء التدهور الأمني في قطاع غزة "بالانقلاب" مع أن حماس تؤكد أن الخطوة نفذتها الأجهزة الأمنية التابعة لحكومة الوحدة الوطنية المتشكلة بموجب اتفاقات مكة المكرمة و التي تقودها حماس ضد منفلتين و مجرمين أثاروا البلبلات في القطاع لسنين طوال، و دعّم موقف حماس بأن الذي قامت به ليس انقلاباً؛ استمرار اعترافها بشرعية الرئيس محمود عباس كرئيس للسلطة الفلسطينية تاركةً صوره معلقة على الجدران في المقار السلطوية في غزة، اختلاف عباس و حماس حول مسمى الخطوة التي أقدمت عليها الأخيرة في قطاع غزة العام الماضي ليس بيت القصيد من هذا المقام، فالواجهة السياسية الفلسطينية تبشر بأن عباس– بدون سيادة الرئيس هذه المرة- سيزيد جرعة الهجوم على حماس بعد 9 يناير القادم أي بعد إعلانها أنها لن تعترف به كرئيس للسلطة بناءً على القانون الفلسطيني الذي ينهي ولايته يوم الخميس 8 يناير الساعة الثانية عشرة بعد منتصف الليل!
الساحة السياسية الفلسطينية بعد هذا التاريخ ستدخل في نفق مظلم يصعب تصور معالمه، فحسب القانون الفلسطيني - و الذي ما زالت حماس ترفق به إلى الآن - فإن رئيس المجلس التشريعي يصبح رئيساً للسلطة الفلسطينية بالإنابة لمدة 90 يوماً بعد انتهاء ولاية الرئيس السابق، و رئيس المجلس التشريعي إن كان الأول عزيز دويك المختطف حالياً لدى قوات الاحتلال أو نائبه "أحمد بحر" هما من حماس فعلى هذا سيكون رئيس السلطة الفلسطينية المؤقت القادم حمساوي (هذا إن أرادت حماس ملء الفراغ الدستوري)!
واضح أن الوضع الفلسطيني غير جاهز البتة لإجراء انتخابات رئاسية بعد انتهاء فترة ولاية الرئيس، فحماس التي تملك الشرعية الدستورية لن تجري انتخابات بعد 9 يناير؛ لأنها لا تستطيع إجراءها في الضفة فإن فكرت بإجرائها فهذا ممكن بغزة وهذا عملياً مستحيل، وإن هي عينت رئيس المجلس التشريعي المنتمي لها رئيساً مؤقتاً للسلطة الفلسطينية ستضع نفسها بمأزق كبير وهو أنه بعد انتهاء الفترة القانونية المؤقتة فمن غير الممكن التمديد له لا قانوناً و لا مروءة، و الانتخابات التشريعية على الأبواب بعد عام و لن تتم في الوضع الراهن، حماس لن تُرجع غزة لخفافيش أوسلو الذين "رقّصوا المقاومة خمسة بلدي سابقاً" لسواد عيون عباس الذي يحكم الضفة بصفة غير قانونية فإذا كانت لن تسلمها للأوسلويين من جديد فإنها ستستمر بحكمها لأن الانتخابات التشريعية غير ممكنة أي أنها ستكون شأنها شأن عباس تحكم بلا الشرعية المختلفة معانيها باختلاف روادها.
دخلت حماس الانتخابات التشريعية الفلسطينية بشعار واضح "يد تبني و يد تقاوم" وقد تم توضيح هذا الشعار ليكون مبرراً لموافقتها على دخول السلطة هذه المرة بعد أن رفضت ذلك سابقاً إبان تشكيلها في أواسط التسعينيات وضحته قائلةً بأن الحركة لن تترك السلطة اليوم لوكلاء الإدارة الأمريكية ليجلدوا باسمها ظهر الشعب والمقاومة ويتنازلوا بصفتها عن حقوق وثوابت القضية الفلسطينية، وأن دخولها سيكون لإقصاء هؤلاء و شرعنة الأذرع العسكرية للمقاومة الفلسطينية.
لكن ما الذي حصل؟ دخلت حماس الانتخابات و فازت بأغلبية ساحقة استطاعت بموجبها تشكيل الحكومة العاشرة لتجد نفسها في حصار لم يشهده العصر الحديث بأي بلد من البلدان تواطأ به كل من ليس مع المقاومة، ومحاولات أمنية بذلت على قدم و ساق للإطاحة بحكمها عسكرياً، ثم ذهبت إلى مكة المكرمة لتشكل حكومة الوحدة الوطنية في محاولة لرأب الصدع ورفع الحصار لكن الحرب عليها زادت ضراوة حتى اتخذت خطوة استباقية للحفاظ على كينونتها والفكر المقاوم الذي تحمله فحسمت الانفلات الأمني في قطاع غزة بقوة السلاح والشرعية "المتذبذبة"، لتجد نفسها فيما بعد قوة "ظلامية" خارجة عن الشرعية الفلسطينية وفقاً لرؤية الرئاسة الفلسطينية – التي شكلت كيان سياسي جديد بلا حماس - و لرؤية الدول العربية والأوربية التي أعلنت أنها ستعترف بتمديد ولاية عباس بعد 9 يناير القادم، تشكيل حكومة فياض في رام الله وتمديد ولاية عباس يعني تمزيق وهتك صريح للشرعية الفلسطينية التي تحملها حماس!
كل المؤشرات توضح بما لا يدع مجالاً للشك أن المجتمع الدولي أقر بشرعية فلسطينية جديدة، ناقضت أوسلو نفسها صنعت هذه الشرعية من حديد صلب صب على مقاس الفكر الأوسلوي و الكامب ديفدي الخلص لا يمكن أن يرتديها إلا رواد هذا الفكر "المتطرف في الاعتدال الأمريكي" و كان من أهم معالم هذه الشرعية إفراز منصب رئيس دولة فلسطين حسب ما أقرته مومياء مركزية "م.ت.ف" و هذا الذي يجعل الفصائل السياسية الفلسطينية غير المنتمية "م.ت.ف" تدور خارج الجسم السياسي الفلسطيني المؤثر، ليقولوا لحماس الحاصلة على الشرعية بصناديق الاقتراع: ( انقعي شرعيتك و اشربي ماءها)!
إجراء الانتخابات بشقيها الرئاسي والتشريعي غير ممكن وإن أمكن وفرض جدلاً أن حماس فازت بالاثنتين معاً فالوضع الفلسطيني و العالمي لن يتغير وستتواصل المحاولات لإسقاط حماس "هذا إن فرضنا جدلاً إجراء انتخابات بمشاركة حماس وهذا مستحيل في ظل الشرعية العباسية الجديدة التي صاغها المجتمع الدولي والتي لن تسمح لحماس من الأساس بالمشاركة "، إذن لم تنجح حماس بإيقاف الأوسلويين من التغني بالشرعية عند محاربة المقاومة وجلد ظهرها وتقديم تنازلات للمفاوض الصهيوني!!
لم يكن مؤتمر دمشق لفصائل المقاومة الفلسطينية الذي عقد في 23 أيار الماضي مجرد حدث عابر أو لقاء تسامري بين قادة الفصائل؛ فالمؤتمر أقلق الأوسلويين – الذين دعو على لسان محمود عباس إلى إلغائه- و جعلهم يتخبطون ويحاولون بكل ما أوتوا عرقلته، فالمؤتمر الذي حضرته كافة فصائل المقاومة الناشطة ميدانياً كان بمثابة الأرضية الخصبة لتشكيل كيان فلسطيني مقاوم يوازي "م.ت.ف" التي عفي عليها الزمن لكن برؤية مقاومة وممانعة للمشروع الأمريكي والصهيوني في فلسطين، الشرعية العباسية الجديدة لا تحكم إلا في الضفة الغربية أما قطاع غزة فهو تحت سيطرة حركة حماس – التي حشدت أضخم حشد في تاريخ فلسطين في حفل انطلاقتها الواحدة والعشرين الذي عقد في غزة – و استطاعت هي ومن معها من فصائل المقاومة خلق معادلة قوى مع الاحتلال الصهيوني تكفل الاستمرار بالسيطرة على الأرض و تكفل تأمين الحدود و الحياة في القطاع بقوة السلاح ، "فقادة الاحتلال اليوم يستجدون التهدئة".
مع كل هذه التطورات يطفو إلى السطح استنتاج أن الكيان السياسي الفلسطيني المتشكل وفق اتفاقات أوسلو -التي مررت دون موافقة عربية حتى- المسمى بـ"السلطة الوطنية الفلسطينية" لا يخدم توجه المقاومة بأي حالة كانت.
الضفة الغربية في حالة احتقان لم يشهد لها مثيل، اعتداءات قوات الاحتلال ازدادت واعتداءات المستوطنين لا تستثني شيء وأجهزة الأمن التابعة لنظام الشرعية الجديدة المقرة أمريكياً باتت تعمل بلا حياء في خدمة الاحتلال و مغتصبيه، الضفة تجلس على فوهة بركان قد ينفجر بأية لحظة، حادثة اعتداء واحدة من قبل المستوطنين قد تفجر كل شيء أو عميلة بطولية واحدة للمقاومة هناك قد تتكفل بذلك! والمصالحة الفلسطينية وصلت إلى طريق مسدود لن يفتح لسنوات طوال بعد أن عرقلت الشرعية العباسية المحاولة الأخيرة التي كانت في الوقت الضائع وذلك بتكثيف حملات الاستئصال للمقاومة وحماس في الضفة الغربية وهو الذي دلل بما لا يدع مجالاً للشك أن أي حوار قادم لن يرفع سياط السلطة عن ظهر المقاومة وحماس في الضفة الغربية.
المقاومة في غزة اليوم تمتلك القوة السياسية والعسكرية وتمتلك الأرض والسيطرة والنظام والرؤية السياسية المشتركة، فهل تتخذ قراراً تاريخياً بالإعلان عن انتهاء السلطة الفلسطينية التي أمست أداة لجلدها واستئصالها وتقوم بخلــع هذا الرداء الذي تهتّك و تمزق لعدم مناسبته لها ؟!!