المــــرأة الريفية و دورها الإنتاجي
لمحة تاريخية :
إن موقع المرأة و ليس الريفية فقط لا يتحدد بالقوانين السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية فحسب ،لأن تسوية الحقوق ،لا تعني دائما إمكانية الاستفادة الكاملة منها و ذلك بسبب ضرورة الربط بين الدورين العائلي و المهني للمرأة.ففي العديد من الدول و ليس الدول النامية فقط،تعتبر القوانين و العادات و الاعتقادات و ظروف سوق العمل،عوامل للتمييز ضد المرأة،و خاصة المرأة الريفية التي تعاني بين الحقوق و المسؤوليات في الحياة العائلية و المزرعة.إن موقع المرأة الريفية في العالم الحديث يرتبط بالتغيرات التي تتم في الزراعة و البيئة الفلاحة والأسرة الزراعية و كذلك مجمل العمليات الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و من أبرز النزعات التي تميز التغيرات في الأقاليم الريفية:
1. الانتقال من الاقتصاد الذاتي إلى الاقتصاد السلعي النقدي.
2. التقدم التكنولوجي و ما يؤثره على حجم العمل .
و عادة يرافق هذه التغيرات،الانتقال من العائلة البطريركية إلى العائلة النووية.و يصبح تقسيم العمل داخل المزرعة معتمدا على حجم المزرعة و العائلة و البنية العمرية والجنس.أما التقسيم التقليدي حسب الجنس فيتغير بقدر انتشار ظاهرة ازدواجية المهنة (عامل-فلاح)،و عندما كان العمل الخارجي المعروض يتطلب القوة العضلية نتيجة انتشار التصنيع السريع،فإن الرجال كانوا يقومون بالعمل خارج المزرعة،و نتيجة ابتعاد الرجال عن المزرعة،جرت عمليات التأنيث لمهنة المزارع،مثل بولندا في الخمسينات ،و لكن في مجتمعات الدول المتقدمة مثل فرنسا،فقد انتشرت ظاهرة عكسية أي انصراف النساء من الريف للعمل في مجال الأعمال المكتبية و الخدمات و المواصلات…الخ،حتى أنه أصبح ملموسا أن الرجال عادوا لا يجدون زوجات لهن و خاصة بعد ارتفاع مستواهن التعليمي و انصرافهن للعمل في المدن عادة.ونتيجة للميكنة اصبح الرجال يقومون بأعمال النساء،و على سبيل المثال فإن عملية قطف البنجر كانت تقع على كاهل النساء عندما كانت تنجز من خلال العمل اليدوي،و عندما دخت الميكنة عاد الرجال يقومون بهذه العملية.
إن الوجه الاقتصادي لعمل المرأة لا يرتبط دوما بالوجه الاجتماعي،ففي أفريقيا مثلا يقع معظم العمل الزراعي على عاتق النساء ،60-80% من النساء يعملن 10 ساعات يوميا في زراعة الأرض و تحويل النتاج الزراعي و بيعه بغض النظر عن الأعباء المنزلية،أما الرجال فينحصر عملهم في تجهيز الأرض و الانصراف للصيد،إلا انه و نتيجة للنظام التقليدي للملكية،فإن النساء يستخدمن الأرض فقط،و لا يحق لهن التصرف بها.و يجدر بالإشارة كذلك أن عمل النساء في الاقتصاد المنزلي لا يعتبر مهنة،أي أن النساء اللواتي يعملن في المزرعة العائلية لا يعتبرن عاملات، و إذا ما أخذنا الوظيفة التربوية للأسرة،نجد أن المرأة الريفية و التي عادة لا تحظى بمستوى علمي مناسب مكلفة جدا بالعمل و في تنفيذ العملية التربوية و خاصة في المجتمعات التي يكون فيها للرجل مهنتين.
……….. ليس منذ أمد بعيد كانت المزارع الجماعية ظاهرة عامة في الاتحاد السوفيتي سابقا و بلدان مثل ألمانيا الشرقية سابقا، تشيكوسلوفاكيا سابقا (قبل انهيار الشيوعية) وفي هذه المزارع كانت المرأة مكلفة بشكل خاص ،حيث أنها تقوم برعاية الحديقة المنزلية(من زراعة للاقتصاد المنزلي إلى تربية الحيوانات ) بجانب عملها بالمزرعة .
في المرحلة الأولى للتصنيع و خاصة في أروبا كانت ظاهرة العمل في مهنتين تتعلق بالرجال،و لكن في العديد من البلدان و خاصة في أفريقيا فإن ظاهرة المهنتين كانت تتعلق بالنساء فبجانب عملهن في الزراعة يقمن بتسويق الإنتاج الزراعي .
………...أما في أروبا الغربية فتعمل المرأة في السياحة الريفية ،أي تستقبل الضيوف من السياح في مزرعتها الخاصة مثل ما هو موجود حاليا في الجبال السويسرية و كذلك موسم السياحة تحت أشجار الأجاص في بولندا .
و في السنوات الأولى بعد الحرب العالمية الثانية بدأت تظهر للوجود ظاهرة تأنيث مهنة المزارع وخاصة بعد انصراف الرجال للعمل في المصانع ,و الذي استمر حتى هذه اللحظة و خاصة في حالة المزارع ذات الحيازة الصغيرة (2-5 هكتار).
إن عملية تأنيث الزراعة في الظروف البولندية مثلا لا تكمن في إنجاز المرأة للعمل الزراعي الأساسي فقط بل تبرز أيضا من خلال اتخاذ المرأة للقرارات المتعلقة بالزراعة يلاحظ بعد انهيار الشيوعية في بولندا و انفتاحها على أوربا الغربية ،أن ظاهرة هجرة النساء قد أخذت تظهر للوجود و أصبحت شريحة واسعة من النساء الريفيات الشابات تأخذن طريقها للهجرة إلى الدول الغربية للعمل في قطاع الخدمات .و تتضاعف تلك المعاناة مع نقص التسهيلات والخدمات الصحية وانخفاض مستوى التعليم بالإضافة إلى زيادة عدد الأطفال في الأسرة .
على الرغم أن عدد الأطفال في الريف لازال أعلى من عدد الأطفال في المدينة إلا أنه لا يلاحظ اختلاف كبير بين النساء العاملات و غير العاملات ،و ربما يرتبط ذلك بالاعتقاد بأن النساء اللواتي يعملن في الزراعة هن غير عاملات أم بالنسبة للوظيفة التربوية للأم في العائلة الفلاحية التقليدية ، فكانت تنحصر في نقل المعرفة الزراعية للأبناء .أما حاليا فالوظيفة التربوية هي من اختصاص المؤسسات المختلفة كالمدارس و النوادي و باقي المنظمات الاجتماعية .و مع ذلك فالأطفال الريفيين يظلون مكلفين في العمل أكثر من الأطفال في المدن أما الأطفال من الأسر ذات المهنتين فهم كأبناء المدن لا يعملون شيئا لأن ذويهم يؤهلونهم لمهن غير زراعية .
…..وبالتالي يلاحظ باستمرار أشراف النساء على الكثير من المزارع وهي على الأغلب مزارع صغيرة نسبيا أما النساء المالكات لتلك المزارع فهن كبيرات السن وخاصة بعد هجرة الشابات للعمل في الخدمات سواء في المدن أو في الدول الغربية .