مع بث الفضائيات صور الصحفي العراقي منتظر الزيدي وهو يضرب بوش بالحذاء ، عاد البعض بالذاكرة إلى ما حدث من جنود أمريكا إبان غزو بلاد الرافدين في 2003 ، فما أن دخلت قوات الاحتلال الأمريكي بغداد إلا وقام الجنود الأمريكيون برمي الأحذية على تمثال صدام قبل تدميره وإسقاطه.
محيط - جهان مصطفى
هذا المشهد روج له بوش على أنه بداية العراق المزدهر الخالي من نظام الطاغية صدام وبات اسمه يتردد في وسائل الإعلام الغربية على أنه محرر بلاد الرافدين ، إلا أن الأيام أثبتت زيف كل ما سبق ، وتأكد أن الاحتلال لم يأت لتخليص العراقيين من شرور صدام بل إنه جاء بهدف نهب ثرواته وخاصة النفطية منها ، بجانب القضاء على القوة العراقية لتأمين إسرائيل.
وبالنظر إلى أن العراق كان في يوم من الأيام مقر الخلافة الإسلامية وله تاريخ حضاري كبير يشهد به القاصي والداني ، فقد تصدى لمخططات بوش بكل ما أوتى من قوة ، وعندما لم يحقق الأخير أي إنجاز لجأ لمؤامرة الاتفاقية الأمنية التي تضع في العلن جدولا للانسحاب من العراق إلا أنها في بنودها السرية تمهد للاحتلال الدائم .
أغلبية العراقيين على وعي بأبعاد المؤامرة الجديدة ، ولذا فإنه ما أن وصل بوش للعراق للاحتفال بالتوقيع على تلك الاتفاقية التي يعتبرها إنجازا شخصيا يحققه وهو يودع السلطة، وإلا وكان الزيدي له بالمرصاد وبتصرف فاق كافة التصورات ، بل وأعاد للأذهان أيضا مشهد رمي الأحذية في عام 2003 مع الفارق الكبير .
منتظر الزيدي أثناء قذفه بوش بالحذاء
فالصحفي العراقي رمى الحذاء الذي يعتبر أقصى احتقار وإهانة واستهزاء في الثقافة العربية على بوش نفسه وليس تمثاله مثلما حدث مع صدام ، الأمر الذي اعتبر وصمة عار ستلاحق التاريخ الأمريكي كله وليس بوش فقط ، فهيبة أمريكا في العالم سقطت بـ"جزمة" وليس بهزيمة عسكرية ، بالإضافة إلى أن تصرف الزيدي أعاد رد الاعتبار والكرامة للعراق والعرب واعتبر انتصارا لا يضاهيه أي انتصار تستخدم فيه أحدث الأسلحة الفتاكة لدرجة أن "جزمة الزيدي" أصبحت في حد ذاتها سلاحا فتاكا يتوقع أن يوضع في حسابات أجهزة الأمن والاستخبارات في كافة دول العالم عند تأمين الرؤساء.
بل وهناك من قارن أيضا بين المصير الذي وصل إليه بوش وما ارتكبه مع عدوه اللدود الرئيس العراقي الراحل صدام حسين بعد اعتقاله، فقبل ذلك بعامين وتحديدا في 30 ديسمبر صبيحة عيد الأضحى المبارك ، فوجىء المسلمون والعرب بإعدام صدام والتمثيل بجثته في تحد سافر لحرمة هذا اليوم المقدس عند المسلمين ، ورغم ذلك فإن صدام كان شامخا حيث رفض وضع غطاء على رأسه قبل تنفيذ الإعدام وواجه عدسات المصورين بكل شجاعة مرددا الشهادة وهو أمر أ؟؟به التعاطف والاحترام حتى بين عدد من خصومه السياسيين ، لدرجة أن هناك من أشار إلى أن صدام حقق شعبية بعد إعدامه لم يكن يتمتع بها طيلة حكمه بل وغطت على أخطائه في حق معارضيه وجيرانه.
أما بوش فالوضع مختلف تماما فهو جاء في انتخابات ديمقراطية ولم يكن ديكتاتورا كما كان يطلق على صدام ومع ذلك ارتكب من الحماقات والمجازر والهفوات ما لم يتصوره عقل ولذا جاء العقاب من جنس العمل ، حيث لم يخرج من السلطة وهو أسوأ رئيس في تاريخ أمريكا فقط ، بل إنه جلب أيضا العار والإهانة للقوة العظمى في العالم ، لأن ضربه بالجزمة يعني ضرب أمريكا كلها ، ولذا أظهرت بعض استطلاعات الرأي أن الأمريكيين كانوا يتمنون أن يقوم الزيدي بقتل بوش بالرصاص أفضل من ضربه بالجزمة لأن الهزيمة العسكرية يمكن محوها ، أما الإهانة فتبقى ملازمة لصاحبها ما دام على قيد الحياة.
بوش ومشهد مخزي لن ينساه الأمريكيون
أيضا فإن الإهانة وجهت له وهو يحتفل بتوديع البيت الأبيض وخلال احتفالات أعياد الميلاد وكأن التاريخ يعيد نفسه فهو مثلما استهتر بمشاعر المسلمين قبل عامين ، كانت أمريكا هى الأخرى مع أسوأ يوم في تاريخها وفي مكان الحدث الأصلي ألا وهو بلاد الرافدين ، هذا بالإضافة إلى أن انحناء بوش وهو يحاول الهروب من الحذاء شكل صدمة ما بعدها صدمة للأمريكيين ، حيث ظهر رئيسهم بشكل الجبان الذي يخشى أي شيء حتى ولو كان "جزمة" ، فيما واجه صدام الإعدام والموت وهو رافع الرأس ولذا كرمه البعض بعد موته بتسميته بالشهيد.
وتبقى هناك حقيقة لن تنساها أبدا ذاكرة الأمريكيين وهى أن طغاة العالم على مر التاريخ إما قتلوا أو أعدموا أو سجنوا ، أما بوش فإنه يبقى الرئيس الوحيد الذي كانت نهايته الضرب بـ "الجزمة".