صاروخ منتظر!
حذاءُ منتظر الزيدي ليس حذاءً؛ بل هو صاروخٌ متعدد الرؤوس. و"بوش" لم يكن وحده الذي تحمل مهانة الموقف؛ بل سقطت الرؤوس المتفجرة على جنودِ جيشٍ من السياسيين والإعلاميين العاملين في خدمة نظريةٍ استعماريةٍ مقيتة! وإن كان "بوش" يمتلك سرعةً في ردة الفعل تجاه المقذوفات جَنَّبَتْهُ الإصابة المباشرة - حسنًا لنتذكر أنه كان في يومٍ من الأيام مديرًا لفريق "بيسبول" - فإن عناصر الح؟؟؟؟؟؟؟؟ البوشي العربي يتميزون بالبلادة والبرود والبطء الذي كان سيسمح "لأم أربعة وأربعين" أن تنهال على رؤوسهم بكل ما تلبس في أرجلها حذاءً فحذاءً؛ ودون أن يقدر البوشي العربي على الفرار من صفعات ولطمات "الكنادر" (أو "القنادر" ما دامت الحكاية اليوم عراقية القلب والقالب)
صاروخ منتظر كان رسالةً بسيطةً ومباشرةً من الرِّجْلِ إلى قلب وعقل كل إنسان. الرسالة تقول أن العراق المشرقي العربي المسلم؛ الذي تعيث فيه قوات الاحتلال فسادًا؛ ويضج فوق هذا بفقره وفاقته ودماره؛ وحربه الأهلية والاغتيالات والخطف والموت المتربص عند كل منعطف - هذا العراق كممثلٍ للعروبة والإسلام لهو يستعلي على الغرب و"الديمقراطية" و"الحرية" التي تجيء في ظلال "بساطير" الأمريكان؛ ولا يجد للرد عليها خيرًا من الحذاء رسولاً! وأي شيء يمتلكه العربي لينقل الإحساس بالخفة والاستهزاء والاحتقار نحو بضاعة خصمه الغاصب والمحتل والمعتدي أحسن من الحذاء؟
رسالة منتظر تقول أن بوسع أمريكا أن تحتل العراق وتدمره وتُجَيِّشَ العملاء ليوسعوا دائرة الهلاك فيه؛ ويزيدوا جذوتها اشتعالاً؛ وبوسع أمريكا سرقة نفط العراق وأمواه العراق وثروات العراق؛ وبوسع أمريكا أن تتسبب في مقتل وتشريد ملايين العراقيين؛ لكن ليس بوسع آكلة الأكباد ومجندة الأوغاد أن تسرق أرواح العراقيين؛ وقناعاتهم الثقافية؛ وأشواقهم الروحية! حذاء منتظر كان "لا" كبيرة ضد الاستخذاء والاسترقاق المعنوي؛ وهذا الرفض العراقي في أواخر 2008 يقتبس من نفس الجذوة التي أنارت طريق عمر المختار وصحبه أوائل القرن الماضي حين رفضوا الإدارة الإيطالية - رغم أنها كانت أحسن نظامًا مما كان قائمًا في ليبيا من أجهزة للحكم - وجعلت عبدالكريم خطابي يتمرد على الحكم الأجنبي ويقارع الفرنسيين حينًا والأسبان حينًا آخر؛ وجعلت شباب "الجهاد المقدس" في فلسطين يرفضون قانون "بريطانيا العظمى" ويتمسكون بدستور الخلافة حتى بعد نحو عشرين عامًا من سقوط الدولة الإسلامية فعليًّا؛ وجعلت شيوخ الأزهر (أيام كان الأزهرُ أزهرَ فعلاً وليس مرؤوسًا "بشيخ أكبر إيه وقرف إيه"!) يدوسون شعار "الحرية والإخاء والمساواة" القادم مع حملة نابليون تحت أقدامهم؛ ويشعلون مقاومةً ضد الحملة الفرنسية تضطرها لقتل المشايخ وأطفالهم ونسائهم؛ ودخول الجامع الشريف بالخيل؛ ونهبه وحرقه بعد دكه بالمدفعية! لم تكن هذه الممانعة الأزهرية رفضًا للقانون ودولة المؤسسات؛ ولم تكن رفضًا للتحديث ولا التطوير كما يتنطع أبناء السبي الفكري دعايةً وترويجًا؛ لكنه رفض لقرن التحديث والتقدم بهلاك الروح والتخلي عن الهوية؛ والتحول إلى مسخ يرطن باللغة المالطية! ويستهلك هذا المسخ كل منتجات أمريكا دون أن يصنع إبرة؛ ويعيد انتاج كل برامجها التلفزيونية في تقليد "أكروباتي" مقرف ومقزز!
والحرية التي تأتي العراق على ظهر دبابة أمريكية هي رقٌّ ليس له إلا صواريخ المقاومة ورصاص قناص بغداد! فمن لم يستطع؛ فعليه بحذاء منتظر! ولا شك أن الحذاء هذه المرة كان أحسن وأمضى من الصواريخ؛ فاغتيال "بوش" الراحل عن موقع التأثير السياسي كان سيحوِّلُ ذلك الأحمق المطاع إلى "قديس" في أعين قومه الذين ازدروه - أراهنكم أن مُتَعَيِّشَتَهُ في العالم العربي كانوا سيبكون عليه في مجالسهم وصحفهم وقنواتهم - أما النهاية على هذا النحو فهي بليغة لا تبقي متسعًا إلا للشماتة بالرئيس العتل؛ والشماتة بكل المتدروشين في حب سياسات أمريكا من الصحافيين ومقدمي البرامج من المحافظين العرب الجدد (كلٌّ باسمه وصفته وشكله الكريه المأفون في كل المنابر "اللي عارفة حالها" من المحيط إلى المحيط)
منتظر يبطل السحر ويقول للعالم أن ما تشاهدونه من صورة للعراقي أو العراقية الممتنة لقوات التحالف (كما تظهر في بعض الأفلام أو المسلسلات الأمريكية) هو محض وهم؛ والعراقي لا ينحني لأمريكا باختياره إلا ليلتقط الحذاء ليضرب به جبهتها! وإن احتاج مُضطرًّا لانحناءةٍ ثانيةٍ؛ فستكون هذه الإنحناءة لالتقاط "الفردة" الثانية لا أكثر!
وأنا أحسب أن رسالة الزراية بالاستعمار قد وصلت للإنسانية جمعاء؛ لكن الأهم أن يكون المُسْتَقْبِلُ المركزي قد التقط بيت القصيد المنتظري؛ واستعد لدوره في اللعبة! فهل تأخذ أيها الجمهور العربي الفَرِحُ بفضيحة "بوش" نفس الموقف من جنوده وأعوانه وصنائعه ومنابره السياسية والإعلامية؟ إذًا اربطوا الأحزمة استعدادًا للتحليق في فضاء الممانعة؛ وفكُّوا أربطة الأحذية لنجيلها على رؤوس المستحقين!